سبــق الإصــرار والتـرصـد
في كل يوم نسمع عن وقوع جريمة جديدة، قد تكون هذه الجريمة مقصودة وقد تكون غير مقصودة، حيث يتم تحديد ذلك بالرجوع إلى ظروف وأسباب كل جريمة، وتجدر الإشارة إلى أن الإصرار والترصد ظرفين منفصلين عن بعضهما البعض، فيمكن أن يأتي ظرف سبق الإصرار دون أن يكون معه ترصد، لكن لا يمكن أن يأتي ظرف الترصد إلا ومعه سبق إصرار.
مفهوم سبق الاصرار والترصد:
- سبق الإصـرار: هو ظرف ذو طبيعة شخصية بمعنى أنه لا يمتد إلى الشركاء في الجريمة، ويتطلب هذا الظرف وجود العنصر النفسي، أما سبـق التـرصد يعتبر ظرف ذو طبيعة موضوعية بمعنى أنه يمتد إلى الشركاء في الجريمة، ويتطلب هذا الظرف وجود العنصر المكاني.
- الترصــــد: يعني أن يترصد الجاني بالمجني عليه حتى يرتكب جريمته المخطط لها، حيث يقوم بإعداد وتحضير الأدوات اللازمة مسبقاً قبل ارتكاب جريمته.
عناصر سبق الإصرار:
يقوم ظرف سبق الإصرار على عنصرين أساسين هما:
- العنصر النفسي: يعتبر هذا العنصر الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها سبق الإصرار، ويعني أن يقوم الجاني بالتفكير المسبق لارتكاب الجريمة بشرط أن يكون في حالة هدوء واتزان عند التخطيط لها، فلو كان في حالة غضب وتهور لسقط هذا العنصر.
- العنصر الزمني: يرتبـط العنصر النفسي بالعنصر الزمني حتى يكتمل ظرف سبق الإصرار والترصد، ويُقصد بالعنصر الزمني أن تمر فترة زمنية قد تكون قصيرة أو طويلة بحسب الظروف (بين تفكير الجاني في ارتكاب الجريمة وبين تنفيذها)، ويُقدر توافر هذا العنصر وطول مدته أو قصرها بالاستناد إلى سلطة المحكمة التقديرية.
نشــــير إلا أن سبق الإصرار يتحقق بتجهيز وسيلة الجريمة وإعداد خطة التنفيذ حتى لو حصل خطأ في شخص المجني عليه، ويتحقق أيضاً حتى لو كان القصد الجرمي محدود أو غير محدود.
هل يُعــتبر سبق الإصرار والترصد ظرفاً مشدداً؟!
لتـوضيح هذا السؤال يمكن الاسـتعانة بــــِ ” الحكـم رقم 1833 لعام 2020م -محكمـة التمييز بصفتها الجزائية:
أسنــــدت النيابة العامة للمتهـم خالد ظرفاً مشدداً (ظرف سبق الإصرار)، ووجدت المحكمة أن اجتهاد محكمة التمييز القضائي قد ارتكز على أنه حتى يقوم هذا الظرف المشدد-سبق الإصرار لجريمة القتل الحاصلة لا بــدّ من توافر عنصرين في فعل الجاني وهما:
- العنصر النفسي وذلك بأن يكون الجاني قد خطط وفكر لجريمته وهو في حالة هدوء وتأنٍ مُقدراً العواقب المترتبة على فعله.
- العنصر الزمني وذلك بمرور مدة زمنية كافية بين العزم على ارتكاب الجريمة وبين القيام بتنفيذها.
ملاحظـة هامـة: سبق الإصرار والترصد عبارة عن حالة ذهنية تكون قائمة في نفس الجاني ولا يمكن الاستعانة بشهود لإثباتها، بل يتم ذلك من خلال قيام المحكمة باستخلاص وقائع خارجية من عناصر الدعوى وظروفها.
– بعــد البحث في ظروف الدعوى ثبت للمحكمة أن مشاجرة حدثت بين عدد من أبناء المشتكي (س) وبين ابن المتهم (ص) انتهت بضرب ابن المتهم من قبل أبناء المشتكي، فبعد أن عرف المتهمان (أ+ب) والحدث (ج) بأن شقيقهم (ص) قد تعرض للضرب توجهوا بحالة غضب خلال ساعة إلى ساعتين استناداً للتقديرات إلى منزل المجني عليه (س) وشقيقه، وعملوا على إطلاق وابل من العيارات النارية تجاههما باستعمال بنادق الكلاشن الموجودة معهما حتى فارق المغدوران الحياة ثم قاما بحرق سيارة المشتكية زوجة شقيق المغدورين.
– وجدت المحكمة أن عنصري القتل النفسي والزمني غير موجودان في أفعال المتهم (أ)، لكن القصد الجرمي له لم يكن مسبقاً بل كان آنياً بسبب تعرض شقيقه للضرب، أما فيما يتعلق بوجود خلافات سابقة فقد ثبت للمحكمة أنه على الرغم من أن جميع الأطراف يسكنون في نفس البلدة إلا أن المناكفات بينهم لم تصل إلى درجة التفكير بالقتل، فالنيابة العامة لم تقدم أي بينة على وجود خلافات سابقة بينهم وعلى إثر ذلك يمكن القول بأن عنصري القتل (العنصر النفسي والزمني) قد تحققا، بالتالي يتعيّن أن يتعدل وصف المتهم(أ) في القضية من جناية القتل العمد بالاشتراك وذلك خلافاً لأحكام المادتين (328/76) من قانون العقوبات الأردني مكررة مرتين إلى جناية القتل العمد الواقع على أكثر من مجني عليه بالاشتراك خلافاً لأحكام المادتين (3/327و76) من قانون العقوبات الأردني.
** يُعتبر ظرف سبق الإصرار والترصد من الظروف المشددة في جرائم القتل وكافة الاعتداءات العمدية التي تسبب الضرر لجسم الإنسان بشكل عام.
أمثلة علــى ظــرف سبق الإصرار والترصد:
- أُدينَ متهم بارتكاب جريمة قتل عن طريق خنقه ضحية بسلـك مصباح بشكل متعمد، حيـث أظهرت الأدلة أن الجاني كان قد أعاد وضع الحبل عدة مرات حول عنق المجني عليه، فاستطاع في كل مرة يعيد فيها فعله التفكير في أفعاله والأمر ذاته في أثناء صراعه مع الضحية قبل الخنق، كل ما سبــق يثبت وجود ظرف سبق الإصرار في هذه الجريمة.
- أُدينَ مارك ريتشاردسون بقتل زوجته سيندي كليف بعد أن كان قد خطط لقتلها لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من الوقت الذي تزوجا فيه، وبعد التحقيق في ظروف الجريمة تبين أن مارك قد ارتكب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وحكمت عليه المحكمة بالسجن المؤبد -كانت هذه أول جريمة قتل عمد مع سبق إصرار وترصد عام 1963م.