المتهـم بـريء حتـى تثبـت إدانتـه
الله سبحانه وتعالى هو خالق البشر وهو الأعلم بطينتهم وتصرفاتهم؛ ولهذا أنزل في كتابه العزيز ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ” لذا علينا التثبت مما نسمع بالأدلة حتى لا نظلم المتهمين ونعود بعد ذلك نادمين فالله سبحانه وصف أولئك المخبرين بالفاسقين ، وهذا أصبح عرفاُ يتم تداوله بين أفراد المجتمع .
لذا جاء الفقهاء في القانون الجنائي وتبنوا مبدأ (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) تطبيقا لشرع الله عز وجل ، وتم اعتماد هذا المبدأ كضمانة قانونية في المعاهدات والمواثيق الدولية والخاصة بحماية حقوق الإنسان وحرياته والذي أقرته الأمم المتحدة لضمان عدم انتهاك هذه الحقوق من قبل أي طرف من الأطراف والهدف من هذا المبدأ هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي أمام محكمة عادلة ، المتهم غير مطالب بتقديم الأدلة للدفاع عن نفسه فهو بريء ما لم يصدر حكم قضائي بات في إدانته؛ لأن الأصل في الإنسان البراءة ما لم يثبت عكس ذلك وبالتالي يجب على من وجه التهمة أن يثبتها أولا بالطرق القانونية المتباينة والمتعددة. بالإضافة لمنح المتهم الحقوق الآتية لتحقيق المحاكمة القانونية العادلة:
- الحق في الدفاع والاستعانة بمحامٍ.
- علنية المحاكمة.
- إمكانية الطعن.
- إعلام المتهم بحقوقه.
- مبدأ افتراض البراءة.
- إعلام المتهم عن سبب الإيقاف.
- الحق في عدم التعرض للتعذيب.
- تطبيق مبدأ الشرعية.
عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) : ” البينة على المدعي واليمين على من أنكر ” ، بالتالي لا تثبت التهمة إلا بعد اكتساب الأدلة اليقينة والقطعية وصدور حكم قضائي قطعي بات في تلك التهمة الموجهة للشخص؛ لكن لو حدث أمر مشبوه او مشكوك في بعض هذه الأدلة فهو يفسر لصالح المتهم ويحكم له بالبراءة ما دامت تلك الأدلة لم تصل لدرجة الثبوت ، إذا لم يكن هنالك أدلة وحكم قضائي ولم يبقى سوى الشك إذن يفسر لصالح المتهم ويتم الحكم ببراءته. لذا من المفترض علينا احترام المتهم ومعاملته بإنسانية حتى يستمر بكونه بريء ويمارس حياته بالشكل الطبيعي ؛ لكن ما نراه اليوم هو عكس ذلك كليا فالناس لا تنظر إلى كون هذا المتهم بريء لا وإنما عكس ذلك هي تنظر له نظرة المجرم الدنيء حتى لو لم تظهر أدلة كافية وباتة للتهمة الموجهة له ، هذه للأسف النظرة المجتمعية الدنيئة المنتشرة في المجتمعات المعاصرة لذلك المتهم والتي تجردنا من إنسانيتنا ، لماذا لا نضع أنفسنا مكان ذلك المتهم ونفكر هل هذه النظرة المجرمة له صحيحة أم لا ؟ لذا قبل كل شيء يجب التعامل بإنسانية مع جميع البشر بغض النظر عن صفتهم وتفسير وفهم الظروف التي دفعتهم للتصرف كذلك وقبل اتهامهم التثبت من تلك التهمة الأصل عدم السماح لإدانة المتهم او توقيفه إلا بعد الحصول على الدليل وليس على اعتراف من المتهم نتيجة الإكراه او التعذيب كما حصل بحادثة زكريا في جرش الذي أوقف ظلما بسبب اتهامه بالأدلة الناقصة وباعترافه الناتج عن التعذيب بحادثة قتل شقيقته والتي تبين فيما بعد أنها على قيد الحياة وصدر حكم من المحكمة الجنائية ببراءته بعد عام ونصف من توقيفه متذرعة بأنها تشكك في حالة الاعتراف للمتهم وبما أن الشك يفسر لصالح المتهم أطلقت صراحه ؛ لذا سؤالي كالتالي ، من الذي سيعوض زكريا وغيره من المتهمين ظلما أو بعدم الحصول على الأدلة الكافية عن مدة التوقيف ؟!
حسب الرأي القانوني الخاص بي يمكن تعويض هذا المتهم تعويضا مادياً ؛ لكن كيف سيتم تعويضه معنوياً ؟! من سيرجع له الحرية المسلوبة منه ظلماً وتعسفاً خلال المدة التي تم توقيفه عليها ؟! وكثيرا منا يشهد الثغرة الكبيرة الموجودة في أغلب القوانين بسبب هؤلاء الذين يشغلون مناصب سياسية لمصالحهم الخاصة ويرغّبون تلك المصالح الخاصة بهم على المصلحة العامة ؛ لذلك نشهد كثيراً من الأشخاص تم إيقافهم ظلماً وأنا أذكر حدوث حالة مشابهة للظلم والتعسف والإساءة لاستعمال السلطة بغير حق اتجاه بعض الأشخاص المظلومين، و هذا دليل على عدم استقامة القواعد القانونية في الوقت الراهن مقارنة بالماضي وعلى زمن الرسول عليه الصلاة والسلام.
أتمنى من الله أن يردنا إلى طريق العدالة والحق وأن يبعدنا عن الرذيلة والظلم وأن نحيا في مجتمع آمن خالٍ من التعسف والاساءة في استعمال الحق .