article_item

جريمة استغلال النفوذ

تعد جريمة استغلال النفوذ من الجرائم الاقتصادية وذلك لأنها تتصل بالأموال التي تشكل عصب الاقتصاد في الدولة، حيث تؤثر هذه الجريمة على استقرار الحياة السياسية والاقتصادية للدولة، لذلك تضافرت الجهود الدولية على سنّ قوانين لمكافحة هذه الجريمة وفرضت عقوبات شديدة للحد من ارتكابها, ومن ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2003 بموجب قرار الجمعية العامة رقم 58/4 حيث نصت الاتفاقية حول جريمة استغلال النفوذ في المادة 18 منها.

 

الفرع الأول: تعريف جريمة استغلال النفوذ

 

على الرغم من أن القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية والسوابق القضائية لم تورد تعريف موحد لجريمة استغلال النفوذ, إنما عرفها فقهاء القانون الجنائي على أنها “اتجار الجاني بنفوذه الحقيقي أو المزعوم بأخذه أو طلبه أو قبوله مقابل أو فائدة ما من صاحب المصلحة نظير حصوله على أو محاولة حصوله على مزية معينة من السلطة العامة لفائدة الأخير باستخدام هذه النفوذ، وهنا لا تكون المصلحة المطلوبة من الموظف داخلة ضمن اختصاصه الوظيفي وإنما يقوم بالتأثير على موظف أخر للقيام بالمصلحة المطلوبة وهنا لا يشترط دائماً أن يكون مستغل النفوذ موظفاً إنما قد يكون عضواً في مجلس نيابي عام أو شخصاً عادياً من عامة الناس وله نفوذ على أحد الموظفين العامين يستمده من صلة قرابة أو صداقة أو غيرها من العلاقات الشخصية التي تبنى على أساس المصالح المشتركة.

 

الفرع الثاني: علة التجريم في جريمة استغلال النفوذ

 

إن هدف المشرع الجزائي من تجريم استغلال النفوذ هو حماية وضمان حسن سير الإدارة العامة بانتظام انطلاقاً من مبدأ تحقيق المصلحة العامة وهذا لا يحصل إلا إذا كانت تصرفات الإدارة العامة محصنة من الخضوع للضغوط أو الإكراه أو المؤثرات من أي نوع كانت, حيث أن علة التجريم هي الإساءة إلى الثقة في الوظيفة العامة، وبالتالي فإن هذه الجريمة تسيء إلى دولة القانون والمؤسسات والتي تسعى الدول لتبنيها .

 

 الفرع الثالث: صور جريمة استغلال النفوذ

 

الصورة الأولى: استغلال الفرد العادي لنفوذه على الموظف العام.

الصورة الثانية: استغلال الموظف العام لنفوذه الوظيفي على موظف عام أخر ليس تحت إمرته.

الصورة الثالثة: استغلال العضو النيابي في البرلمان لنفوذه على الموظف العام أو نفوذه كنائب في حدود وظيفته.

 

الفرع الرابع: جريمة استغلال النفوذ في النظام القانوني الفلسطيني

 

لم ينص قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 على جريمة استغلال النفوذ بنص خاص تحت مسمى جريمة استغلال النفوذ إنما نص على أحكام هذه الجريمة تحت مسمى “جريمة الحصول على منفعة شخصية والاتجار الغير مشروع” وفقاً لأحكام المادة 176 منه, وعاقب عليها بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين وبغرامة مالية لا تقل عن عشرة دنانير أردني, وهي تعتبر من جرائم الجنح.

               

الفرع الخامس: الفرق بين جريمة استغلال النفوذ وجريمة الرشوة

 

تختلف جريمة استغلال النفوذ عن جريمة الرشوة على النحو التالي:

  1. تنطوي جريمة استغلال النفوذ على معنى الاتجار بالنفوذ بينما تنطوي جريمة الرشوة على معنى الاتجار بالوظيفة العامة ذاتها.
  2. ترتكب جريمة استغلال النفوذ من قبل موظفين عموميين أو أشخاص عاديين على موظفين عموميين سواء داخل أو خارج اختصاصهم الوظيفي أو المكاني أو الزماني بينما ترتكب جريمة الرشوة من قبل موظفين أو أشخاص عاديين على موظفين عموميين فقط داخل وفي حدود اختصاصهم الوظيفي والمكاني والزماني.

 

الفرع السادس: الفرق بين جريمة استغلال النفوذ وجريمة الإستثمار الوظيفي

 

تختلف جريمة استغلال النفوذ عن جريمة الاستثمار الوظيفي على النحو التالي:

  1. يتحقق الفعل المادي في جريمة استثمار الوظيفة عند قيام الموظف بالغش في إدارة أو بيع أو شراء أموال للدولة بحكم وكالته عن الدولة, بينما يتحقق الفعل المادي في جريمة استغلال النفوذ عن قيام الموظف بقبول أو بطلب الفاعل نفسه أو لغيره أو أخذ وعداً أو عطية تذرعاً بنفوذه الحقيقية أو المزعومة.
  2. في جريمة استغلال النفوذ يكون ما وصل للجاني من يد صاحب المصلحة على سبيل العوض, بينما في جريمة استثمار الوظيفة يقوم الموظف بارتكاب الجريمة بهدف الحصول على أموال بحكم إدارته للمال سواء المنقول او العقار ودون تدخل من شخص ثالث أو شريك فهو يرتكبها لوحده دون تدخل من أحد.

 

الفرع السابع: أركــــان جريمة استغلال النفوذ

 

تعتبر جريمة استغلال النفوذ كغيرها من الجرائم تتطلب اجتماع أركان الجريمة الثلاثة العامة وهي الركن المادي والركن المعنوي والركن الشرعي بالإضافة إلى ركن رابع خاص بجريمة استغلال النفوذ وهو الركن المفترض, وتتألف أركان جريمة استغلال النفوذ على النحو التالي:

 

الركـــن الأول: الركن المفترض في جريمة استغلال النفوذ (ركن النفوذ لدى الموظف العام)

ركن النفوذ هو أساساً مميزاً لهذه الجريمة حيث لا تقع الجريمة بدونه، وتُعرَف النفوذ وفقاً لأراء الفقهاء والقضاء على أنه “هو أن يكون للشخص مركز اجتماعي أو وظيفي أو صلات بآخرين ووزن يمكن من خلالهم التدخل للثقل والضغط على العاملين في أجهزة الدولة أو على بعضهم لتنفيذ مشيئته”,

وتقسم أنواع النفوذ إلى :

  1. النفوذ الحقيقي: وهي عندما يتمتع الفاعل بسلطة يستمدها إما من الوظيفة العامة أو من صفته السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.
  2. النفوذ المزعوم “النفوذ الموهوم”: الزعم بالنفوذ يعني قيام قرائن قوية لدى صاحب المصلحة أن الفاعل يتمتع بنفوذ على الموظف العمومي المختص.

 

الركـــن الثاني: الركن المادي في جريمة استغلال النفوذ

ويتألف السلوك الإجرامي لجريمة استغلال النفوذ من عنصرين مجتمعين وهما:

  • العنصر الأول “النشاط الإجرامي” : ويتمثل في الطلب أو القبول أو الأخذ

حيث يعرف الطلب على أنه إفصاح عن رغبة أو تعبير عن إرادة وينطوي على حث صاحب المصلحة بتقديم المقابل أو الوعد به,

ويُعرًف القبول على أنه سلوك يصدر عن الفاعل يُعبر فيه عن موافقته بشأن الإيجاب الصادر من صاحب المصلحة المتضمن عرضاً بالدفع المؤجل نظير سعي الفاعل بنفوذه لدى السلطات المختصة العامة,

ويُعرَف الأخذ على أنه سلوك مادي بحت يتسلم بموجبه الفاعل المقابل, وينقله إلى حيازته وتتحقق الجريمة سواء أخذ الفاعل العطية لنفسه أو لغيره.

  • العنصر الثاني “هدف النشاط الإجرامي” : وتتمثل بالفائدة

حيث أنه يتمثل هدف النشاط الإجرامي في جريمة استغلال النفوذ في حصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة على مزية ما لصاحب المصلحة، ومثال على المزية ” صدور قرار من السلطة العامة بتعيين شخص في وظيفة ما”.

 

الركـــن الثالث: الركن المعنوي في جريمة استغلال النفوذ

تعتبر جريمة استغلال النفوذ من الجرائم العمدية التي يتطلب قانوناً لقيامها توافر القصد الجنائي العام لدى مستغل النفوذ, حيث أن جريمة إستغلال النفوذ لا تقع بطريق الخطأ أو الإهمال،

وتتألف أركان القصد الجنائي العام من عنصري العلم والإرادة,

ويتمثل العلم في علم مستغل النفوذ بأركان وعناصر الجريمة المرتكبة أي علم الجاني بأن لديه نفوذ ويستغلها بطريقة غير مشروعة من أجل تحقيق مصلحة خاصة فوق المصلحة العامة كما يتمثل العلم في علم الجاني بأن هذا الفاعل هو موظف عام وأن أفعال الضغط والتأثير عليه سوف تؤدي إلى تحقيق النتيجة الجرمية المنشودة,

كما ويتمثل عنصر الإرادة في انصراف إرادة الجاني “مستغل النفوذ” نحو تحقيق النتيجة الجرمية المتمثلة في تحقيق المصلحة الخاصة والتي يسعى لها من خلال قيامه بالأفعال المادية لجريمة استغلال النفوذ وأن الاتجار بالنفوذ هو وسيلته لتحقيق أهدافه.